فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والذي يدلّ على أن بيت عليّ كان في المسجد ما رواه ابن شِهاب عن سالم بن عبد الله قال: سأل رجل أبي عن عليّ وعثمان رضي الله عنهما أيّهما كان خيرًا؟ فقال له عبد الله بن عمر: هذا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأشار إلى بيت عليّ إلى جنبه، لم يكن في المسجد غيرهما؛ وذكر الحديث.
فلم يكونا يجنبان في المسجد وإنما كانا يجنبان في بيوتهما، وبيوتهما من المسجد إذ كان أبوابهما فيه؛ فكانا يستطرقانه في حال الجنابة إذا خرجا من بيوتهما.
ويجوز أن يكون ذلك تخصيصًا لهما؛ وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم خُص بأشياء، فيكون هذا مما خُصّ به، ثم خص النبيّ صلى الله عليه وسلم عليًّا عليه السلام فرخّص له في ما لم يرخِّص فيه لغيره.
وإن كانت أبواب بيوتهم في المسجد، فإنه كان في المسجد أبواب بيوتٍ غيرِ بَيْتَيْهما؛ حتى أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بسدّها إلا باب عليّ.
وروى عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سُدُّوا الأبواب إلا باب عليّ» فخصّه عليه السلام بأن ترك بابه في المسجد، وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد.
وأما قوله: «لا تبقينّ في المسجد خَوْخة إلا خَوْخة أبي بكر» فإن ذلك كانت والله أعلم أبوابًا تطلع إلى المسجد خوخات، وأبواب البيوت خارجة من المسجد؛ فأمر عليه السلام بسدّ تلك الخوخات وترك خوخة أبي بكر إكرامًا له.
والخَوْخات كالكُوَى والمشاكي، وباب عليّ كان بابَ البيت الذي كان يدخل منه ويخرج.
وقد فسّر ابن عمر ذلك بقوله: ولم يكن في المسجد غيرهما.
فإن قيل: فقد ثبت عن عطاء بن يسار أنه قال: كان رجال من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضئون ويأتون المسجد فيتحدّثون فيه.
وهذا يدل على أن اللَّبث في المسجد للجنب جائز إذا توضأ؛ وهو مذهب أحمد وإسحاق كما ذكرنا.
فالجواب أن الوضوء لا يرفع حدث الجنابة، وكلُّ موضع وُضِع للعبادة وأكرِم عن النجاسة الظاهرة ينبغي ألاّ يدخله من لا يرضى لتلك العبادة، ولا يصح له أن يتلبس بها.
والغالب من أحوالهم المنقولة أنهم كانوا يغتسلون في بيوتهم.
فإن قيل: يبطل بالمحدث.
قلنا: ذلك يكثر وقوعه فيشق الوضوء منه؛ وفي قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} ما يُغْني ويَكْفِي.
وإذا كان لا يجوز له اللبث في المسجد فأحرى ألاّ يجوز له مسّ المصحف ولاَ القراءة فيه؛ إذ هو أعظم حُرْمَة.
وسيأتي بيانه في الواقعة إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وتقديم المُستثنى في قوله: {إلا عابري سبيل} قبل تمام الكلام المقصود قصره بقوله: {حتى تغتسلوا} للاهتمام وهو جار على استعمال قليل، كقول موسى بن جابر الحنفي أموي:
لاَ أشتهي يا قوم إلاَّ كارها ** بابَ الأمير ولا دفاع الحاجب

. اهـ.

.قال القرطبي:

نهى الله سبحانه وتعالى عن الصلاة إلا بعد الاغتسال؛ والاغتسال معنى معقول، ولفظه عند العرب معلوم، يُعبّر به عن إمرار اليد مع الماء على المغسول؛ ولذلك فَرَقَت العرب بين قولهم: غسلت الثوب، وبين قولهم: أفَضْتُ عليه الماء وغمسته في الماء.
إذا تقرّر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجُنُب يصب على جسده الماء أو يَنغمِس فيه ولا يتدلّك؛ فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزِئه حتى يتدلّك؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر الجُنُب بالاغتسال، كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه ولم يكن للمتوضى بَدٌّ من إمرار يديه مع الماء على وجهه ويديه، فكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضي ويديه.
وهذا قول المُزَنِيّ واختياره.
قال أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي: وهذا هو المعقول من لفظ الغسل؛ لأن الاغتسال في اللغة هو الافتعال، ومن لم يُمرّ يديه فلم يفعل غير صب الماء لا يسميه أهل اللسان غاسلًا، بل يسمونه صابًّا للماء ومنغمِسًا فيه.
قال: وعلى نحوِ هذا جاءت الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تحت كلِّ شعرةٍ جنابة فاغسِلوا الشعر وأنْقُوا البَشَرَة» قال: وإنقاؤه والله أعلم لا يكون إلا بتَتَبُّعهِ؛ على حدّ ما ذكرنا.
قلت: لا حجة فيما استدل به من الحديث لوجهين: أحدهما أنه قد خولف في تأويله؛ قال سفيان بن عُيَيْنة: المراد بقوله عليه السلام «وأنْقُوا البَشَرة» أراد غسل الفرج وتنظيفه، وأنه كنّى بالبَشَرة عن الفرج.
قال ابن وهب: ما رأيت أحدًا أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة.
الثاني أن الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال فيه: وهذا الحديث ضعيف؛ كذا في رواية ابن داسة.
وفي رواية اللُّؤْلِئيّ عنه: الحارث بن وَجيه ضعيف، حديثه منكر؛ فسقط الاستدلال بالحديث، وبقِي المعوّل على اللسان كما بينا.
ويعْضُدُه ما ثبت في صحيح الحديث.
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بصبيّ فبال عليه، فدعا بماء فأتبعَه بولَه ولم يغسله؛ روته عائشة، ونحوه عن أُم قيس بنت محصن؛ أخرجهما مسلم.
وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء: يُجزِئ الجُنُب صَبُّ الماء والانغماس فيه إذا أسبغ وعمّ وإن لم يتدلّك؛ على مقتضى حديث ميمونة وعائشة في غسل النبيّ صلى الله عليه وسلم.
رواهما الأئمة.
وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُفيض الماء على جسده؛ وبه قال محمد بن عبد الحكم، وإليه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك؛ قال: وإنما أمر بإمرار اليدين في الغسل لأنه لا يكاد من لم يُمِرّ يديه عليه يسلم من تنكّبِ الماء عن بعض ما يجب عليه من جسده.
وقال ابن العربي: وأعجب لأبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزىء! وما قاله قَطُّ مالكٌ نصّا ولا تَخْرِيجًا، وإنما هي من أوهامه.
قلت: قد رُوِي هذا عن مالك نصًا؛ قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثِقة من ثِقات الشاميين: سألت مالك بن أنس عن رجلٍ انغمس في ماء وهو جُنُب ولم يتوضأ، قال: مضت صلاته.
قال أبو عمر: فهذه الرواية فيها لم يتدَلّك ولا توضأ، وقد أجزأه عند مالك.
والمشهور من مذهبه أنه لا يُجزِئه حتى يتدَلّك؛ قياسًا على غَسْل الوجه واليدين.
وحجة الجماعة أن كل من صبّ عليه الماء فقد اغتسل.
والعرب تقول: غسلتني السماءُ.
وقد حكت عائشة وميمونة صفة غُسْل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا تَدَلُّكا، ولو كان واجبًا ما تركه؛ لأنه المبيّن عن الله مرادَه، ولو فعله لنُقِل عنه؛ كما نُقِل تخليلُ أُصولِ شعره بالماء وغَرْفه على رأسه، وغير ذلك من صفة غُسْله ووضوئه عليه السلام.
قال أبو عمر: وغير نكير أن يكون الغسل في لسان العرب مرةً بالعَرْكِ ومرة بالصّبّ والإفاضة؛ وإذا كان هذا فلا يمتنع أن يكون الله جل وعز تعبّد عِباده في الوضوء بإمرار أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذلك غسلًا، وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غُسل الجنابة والحيض، ويكون ذلك غسلًا موافقًا للسنة غير خارج من اللغة، ويكون كل واحد من الأمرين أصلًا في نفسه، لا يجب أن يردّ أحدهما إلى صاحبه؛ لأن الأُصول لا يُردّ بعضها إلى بعض قياسًا وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء الأُمة.
وإنما تردّ الفروع قياسًا على الأُصول. وبالله التوفيق. اهـ.

.قال الألوسي:

{حتى تَغْتَسِلُواْ} غاية للنهي عن قربان الصلاة حال الجنابة، ولعل تقديم الاستثناء عليه كما قال شيخ الإسلام للإيذان من أول الأمر بأن حكم النهي في هذه السورة ليس على الإطلاق كما في صورة السكر تشويقًا إلى البيان ورومًا لزيادة تقربه في الأذهان، وقيل: لما لم يكن لقوله سبحانه: {حتى تَغْتَسِلُواْ} مدخل في المقصود إذ المقصود إنما هو صحة الصلاة جنبًا أخره وقدم الاستثناء عليه، وكان الظاهر عدم ذكره لذلك إلا أنه ذكره تنبيهًا على أن الجنابة إنما ترتفع بالاغتسال. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والحكمة في مشروعية الغسل النظافة، ونيطَ ذلك بأداء الصلاة ليكون المصلّي في حالة كمال الجسد، كما كان حينئذ في حال كمال الباطن بالمناجاة والخضوع.
ومن أبدع الحِكم الشرعية أنّها لم تنط وجوب التنظّف بحال الوسخ لأنّ مقدار الحال من الوسخ الذي يستدعي الاغتسال والتنظف ممّا تختلف فيه مدارك البشر في عوائدهم وأحوالهم، فنيطَ وجوب الغسل بحالة لا تنفكّ عن القوة البشرية في مدّة متعَارف أعمار البشر، وهي حالة دفع فواضل القوة البشرية، وحيث كان بَيْن تلك الحالة وبين شدّة القوّة تناسب تامّ، إذ بمقدار القوة تندفع فضلاتها، وكان أيضًا بين شدّة القوة وبين ظهور الفضلات على ظاهر البدن المعبّر عنها بالوسخ تناسبٌ تامّ، كان نوْط الاغتسال بالجنابة إناطة بوصف ظاهر منضبط فجُعل هو العلّة أو السبب، وكان مع ذلك محصّلا للمناسبة المقتضية للتشريع، وهي إزالة الأوساخ عند بلوغها مقدارا يناسب أن يزال مع جعل ذلك مرتبطًا بأعظم عبادة وهي الصلاة، فصارت الطهارة عبادة كذلك، وكذلك القول في مشروعية الوضوء، على أنّ في الاغتسال من الجنابة حكمة أخرى، وهي تجديد نشاط المجموع العصبي الذي يعتريه فتورٌ باستفراغ القوة المأخوذة من زبد الدم، حسبما تفطّن لذلك الأطباء فقُضيت بهذا الانضباط حِكَمٌ عظيمة.
ودلّ إسناد الاغتسال إلى الذوات في قوله: {حتى تغتسلوا} على أنّ الاغتسال هو إحاطة البدن بالماء، وهذا متّفق عليه، واختلف في وجوب الدلك أي إمرار اليد على أجزاء البدن: فشرطه مالك رحمه الله بناء على أنّه المعروف من معنى الغسل في [لسان العرب]، ولأنّ الوضوء لا يجزئ بدون ذلك باتّفاق، فكذلك الغسل.
وقال جمهور العلماء: يجزئ في الغسل إحاطة البدن بالماء بالصبّ أو الانغماس؛ واحتجّوا بحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما في غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنّه أفاض الماء على جسده، ولا حجّة فيه لأنّهما لم تذكرا أنّه لم يتدلّك، ولكنّهما سكتتا عنه، فيجوز أن يكون سكوتهما لعلمهما بأنّه المتبادر، وهذا أيضًا رواية عن مالك رواها عنه أبو الفرج، ومروان بن محمد الطاطري، وهي ضعيفة. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي الآية الكريمة رمز إلى أنه ينبغي للمصلي أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه، وأن يزكي نفسه عما يدنسها لأنه إذا وجب تطهير البدن فتطهير القلب أولى أو لأنه إذا صين موضع الصلاة عمن به حدث فلأن يصان القلب الذي هو عرش الرحمن عن خاطر غير طاهر ظاهر الأولوية. اهـ.

.قال القرطبي:

هذه آية التيمم، نزلت في عبد الرحمن ابن عوف أصابته جنابة وهو جريح؛ فرُخّص له في أن يتيمّم، ثم صارت الآية عامّةً في جميع الناس.
وقيل: نزلت بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المُرَيْسِيع حين انقطع العِقد لعائشة.
أخرج الحديث مالك من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
وترجم البخارِيّ هذه الآية في كتاب التفسير: حدّثنا محمد قال أخبرنا عَبدة عن هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: هلكت قلادة لأسماء فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالًا، فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء؛ فأنزل الله تعالى آية التَّيَمُّم.